الدولة المهترئة

on Friday, December 13, 2013

 بالتزامن مع  أسوأ جو شتوي مر بمصر مؤخراً .. وبعيداً عن مرح التويتر والفيس بوك ..

وإذا نحيت جانباً الرغبة المصرية العتيدة في المزاح من كل حدث جلل ..

رغماً عني منذ الصباح لم يتوقف عقلي عن التفكير العميق ومع كل دقيقة مرت في هذا اليوم إلي دخولي المنزل ..

لم أستطع محو صورة جندي المرور الشاب الواقف في صقيع الطقس وتحت الأمطار المنهمرة يمارس عمله بإيقاف هذا الطريق وتمرير الآخر ..

لظروف العمل اضطررت للنزول في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة وفي ظل طقس أصفه شخصياً بالسيء - رغم حبي العنيف - لمثل هذه الأجواء .

كنت أقول بحنق لنفسي .. بالطبع لن يتواجد ظل شرطي في مثل هذه الأجواء .. – وهم أصلاً بيشتغلوا في الجو الكويس عشان ينزلوا النهاردة –

لم أكد أنهي العبارة في ذهني حتي وقعت عيناي عليه ..

شاب ريفي يرتدي زي رجال المرور الأخضر الفوسفوري ويرتعد حرفياً وهو يشير لطريق بالتوقف .. ويشير لأخر بالحركة ..

تعلقت عيناي به .. وبملابسه التي بدا واضحاً إنها إبتلت حتي النخاع ..فيما عدا الجزء الفوسفوري البلاستيكي ..

هذا وأقترب منه سريعاً فتي مصري يمكن أن يطلق عليه كتوصيف عنصري أعتاده شعبي العزيز ( شوارعي – بلطجي ) وكل ذنبه ان ملامحه غليظة وشعره غير مهندم وثيابه غير متناسقة ..

أقترب من الجندي ماداً يده إليه بسيجارة مشتعلة غير مكتملة .. فيلتقطها الأول بإبتسامة عرفان وشكر جزيل نطقت به العينان .

.ويرفع يده إليه في تحية شاكرة ..قبل أن يمتص بنهم أنفاس السيجارة ملتمساً منها دفئاً لا يجئ حقيقة ..
كان الوحيد الذي أستشعر مدي عنت هذا المجند شخص ظروفه لربما تكون أصعب منه ألف مرة .. ولم يمنعه شيء عن إقتسام سيجارة قد يكون أقترضها بدوره ..
لم يشعر بهذا المجند لواء أو ضابط أو صول ..كتبوا عليه البقاء هكذا في يوم كهذا ...

شعور لا يمكن وصفه اجتاحني ..

وأمتدي يدي تكتب تغريدة تعبر عن مشاعري ..

تحية لعساكر المرور الغلابة الي واقفين في الشارع وقادتهم مأنتخين في البيت ومش بيوفروا لهم حتي زي يقيهم الجو:/ #مرور #مصر #داخلية

وتفجرت الأسئلة داخلي : تُري منذ متي يقف هذا الفتي ؟؟ وإلي متي ؟؟

كيف بينما أنا في الفراش الدافئ متكاسلاً عن اللحاق بعملي كان عليه أن ينهض مبكرأً في نهار عطلة رسمية ويقف بلا رقيب او حسيب يمارس عمله في آلية دون التحجج بظروف الجو ؟

كيف ألومه لو ترك خدمته وجلس أرضاً ملتمساً دفء لن يحصل عليه مؤكداً في الشارع ..

وكيف ألومه لو لم يهبط أصلاً ..

شعور الغضب إجتاحني وأنا أفكر ببساطة : أين هؤلاء البسطاء من تفكير القادة في مكاتبهم ومنازلهم ؟؟

كيف لم يفكر شخص يملك القرار في هذا البلد الملعون أن يمنح  لهؤلاء الجنود غطاءاً للرأس ورداءاً  من البلاستيك الرخيص يقيهم شر البلل ؟؟

كيف لم يفكر شخص يملك القرار في هذا البلد الملعون بتخيل مثل هذا الظرف المناخي فيوفر زياً مناسباً .. زياً يقيهم  بأس الشتاء ..

كيف لم يفكر شخص يملك القرار في هذا البلد الملعون الذي يوفر زي مدرع لقوات الأمن المركزي كي تقمع وتقتل وتعتقل أن يوفر زياً فقط يبعث الدفء في أوصال هؤلاء ؟

لا أفكر بالمثالية الشديدة لروادي التويتر والفيس بوك الذين يشكرون قوات الأمن المركزي وحرس الحدود إلخ ..

ليس الجميع سواء ... وليست الظروف سواء .. وليست المعاملة سواء ..

هذا الفتي الريفي موجود كل يوم .. نراه جميعاً ونعتاده ونتأفف من طول إنتظار في إشارته لدقائق معدودة .. بينما هو باق .. ماكث .. ثابت .. راسخ .. لا يكل أو يمل .. يمارس عمله في آلية دونما تفكير ..

لا يقمع أحداً ..

لا يقتل أحداً ..

يمارس مهمة تنظيمية روتينية بسيطة يمكن الأستعاضة عنه فيها  بوسيلة الكترونية تحترم آدميته .. لكن لا مجال له لدي القادة ..

أنه لا يفيدهم بشئ .. لا يمنع عنهم بأس متظاهر أو شعب غاضب ..

لا يفيد ترقيتهم أو يمنحهم ثناءاً ممن هم أعلي منزلة ...

لعن الله بلاد تقتات علي أجساد أبنائها ....

دولة مهترئة لا تملك رؤية ولا تنظيم ولا فكر لحل أي مشكلة ..

دولة مهترئة تستهلك وتنفق المليارات علي  كل شيء إلا رفعة شأن المواطن ..
أنظروا معي .. تأملوا عيوب الطرق في كل مكان .. في كل مكان مهما كان حديثاً ومعتنياً به ..

أنظروا لبرك المياه التي تمنعك من عبورها مترجلاً ..

وتجعلك خائفاً من عبورها بسيارة خشية عطلتها ..

أنظروا لمئات الحفر الضخمة والعميقة في الطرق السريعة ..

أنظروا لطول الرصيف وقسوته علي كبار السن والمعاقين ...

أنظروا لمصابيح الإضاءة المنارة نهاراً ومعطلة ليلاً ..

أنظروا لهذا الجندي تحديداً ..

وأستشعروا كم نحن بعيدون كل البعد عن معني الإنسانية ..

كم نبعد من ملايين السنوات الضوئية عن تقدير أصحاب المهن البسيطة والحرف المهمشة ..

لعن الله بلاداً تقتات علي دم أبنائها .. وجهدهم .. وتعبهم .. دون مقابل .........






1 تعليقات:

Anonymous said...

الدولة ضعيفة , و القادة مش بيحسوا بالغلابة , و لكن لعن الدولة لن يفيد فى اى شىء , انزل غير بنفسك و استمر فى االمطالبة بالتغيير, شوف حلقات عمر طاهر , و ياريت شباب مصر كلها يبقى زيه عزه عارف

Post a Comment