قصر جدي ..........

on Sunday, September 1, 2013

من الكتب التي شكلت حجر زاوية في تكويني الثقافي .. رباعية الكاتب المسرحي مارسيل بانيول ( النثرية ) والتي صنفت علي إنها السيرة الذاتية للكاتب ..


نشرتها دار شرقيات في أربعة عناوين من القطع المتوسط : 
مجد أبي – قصر أمي – زمن الأسرار – زمن الحُب 




وكانت من أجمل وأعمق ما قرأت في حياتي ..

وتمنيت لو أمتلكت يوماً ناصية الكلمات وترف  التفرغ لعمل مماثل ..

فطفولة المرء عامرة بالكثير من تفاصيل الحياة التي تستحق  أن يفرد لها مساحة مكتوبة .. وأن يشارك متعتها آخرين ..

قيمة ذكريات الطفولة تكمن في عمق تفاصيلها  ولو إننا نمتلك ناصية القلم وقتها لكتبنا مجلدات فيها ..

==

نشأتي في منطقة ثرية بالتفاصيل ذات الطابع الخاص كحي – شبرا -  دافعاً قوياً لمشاهدات لن تتكرر ..

نشأت في بيت جدي الذي أحتل الطابق الأرضي من بناية  قديمة بنيت بحجارة المحاجر البيضاء الضخمة .. تلك التي تمنح المنازل تكييفاً طبيعياً في قيظ الصيف


والتي ظل بسببها السؤال يغمرني طيلة سنوات عمري .. لا أجرؤ علي إخراجه خشية زوال النعمة

كيف يتأني بمدخل بناية جدي ان يكون مثلجاً رطباً في قيظ الصيف ؟؟

بالأمس .. بعد سنوات من الإنقطاع وبعد سنوات طويلة من رحيل جدي وجدتي أحب خلق الله إلي قلبي – رحمهما الله -

زرت المنزل ..

المنزل الجميل الذي شهد نشأتي وتدرجي من الطفولة للشباب  .. بكل تفاصيله المحفورة في ذاكرتي .. بكل أشجان الفراق وألمه ..

طفقت أتجول في المنزل في صمت ..

أصطحبت معي طفلتاي .. فدوي ورقية .. عامداً متعمداً في الواقع لأري وقع المنزل السحري عليهن ..

كنت أكيداً من أن سحر المنزل سيلمسهن بكل تأكيد رغم الفارق الزمني الشاسع  .. ورغم غياب أجمل ما فيه ..

الجد والجدة ....

وتابعت بعيناي فدوي وهي تتجول في صمت  تنظركما نظرت يوماً  في عمرها للسقف العالي بإعجاب ورهبة ..

وعيناها تنظر إلي ذاك الجزء العلوي الأثير ( الصندرة ) الذي يجعل خيالك يسرح في كم الكنوز التي قد يحتويها ..

وتابعت رقية وقد أصابتها لوثة فرحة وحماس مفاجئة .. تنطلق من غرفة إلي أخري وعيناها تلمع بمتعة منقطعة النظير ..

وهي تلهث في سعادة من وجد عشرات الأشياء والأفكار ليفعلها لكن من فرط السعادة هي غير قادرة علي التحديد ( بماذا أبدأ )

وقع المشاعر ذاتها تسلل إلي قلبي يوماً لذا أنا مدرك وبشدة لسعادتهن ...

ورغماً عني ..

أنهمر شلال الذكريات ...

قبل أن أسترسل في السرد .. أعطيكم فكرة سريعة عن الشكل العام للمنزل .. شقة كبيرة فور دخولك من بابها تستشعر إنها دائرية بشكل ما ..

من موضعك علي باب المنزل تري كل أبواب الغرف .. وتعجز عن رؤية ما بداخلها في ذات الوقت ..

شكل نصف كروي او نصف قوس يمنحك ميزة الالمام بكل شيء ولا شيء في الوقت ذاته 

يتوسط الصالة الضخمة الواسعة كحلبة الحصان مائدة مستطيلة بثمان مقاعد ذا كسوة شمعية منقوشة بشكل محبب .

وتضيئها   ( لمبة نيون ) معلقة من جنزير حديدي  تساءلت طيلة عمري للحظتنا هذه : كيف يتم تغييرها إذا ما احترقت ؟؟

وبالمناسبة لم أشهد طيلة سنوات حياتي هناك إحتراق هذه بالذات ...

وفي ركن من الصالة ثلاجة ايديال معبرة عن الطبقة الوسطي في الستينات

وباب الي اليسار يفضي الي منطقة المطبخ والحمام و ( الصندرة ) الأثيرة إلي قلبي

الغرفة الأولي ليمين المدخل هي غرفة الصالون

 وبها الطاقم المذهب العتيد وبها ندخل الضيوف علي الفور ..

فلا مجال لتجول ضيف غريب بطول الصالة حتي يصل لغرفة الجلوس  في مواجهة المدخل مباشرة والتي هي أساساً للمقربين من العائلة ..

بالغرفة بلكونة صغيرة بشيش عملاق حقاً يمتد من الأرض للسقف

 وبالغرفة باب يفضي لغرفة جدي مباشرة لكنه لم يفتح أبداً حيث اغلقه جدي من جهته بمقعد وثير ومكتبة مصغرة .

 يوماً قص علي سبب وجود باب مشترك ... كي يتحرك الضيف أو جدي من وإلي الغرفة دون المرور بأي جزء في المنزل حفاظاً علي حرمته .

هذه الغرفة كانت دوماً ظليلة رطبة شبه مثلجة لأنها لا تفتح إلا في وجود ضيوف أو في حالة رغبة الأحفاد للهو .

غرفة الجلوس   .. هكذا إسمها وهكذا عرفتها .. هي الواقعة في منتصف الغرف وتحوي طاقماً أقل فخامة وبها نستقبل ضيوف العائلة من المقربين أو نجلس بها معاً

وبها ذات البلكونة الصغيرة ذات الشيش العملاق جداً  وابوابها مختلف عن بقية ابواب المنزل .. حيث مكون من باب منغلق من 4 أجزاء وزجاج ( مسنفر ) عكس بقية الأبواب المصمتة ... 


وقد شهدت تحول غرفة الجلوس لصالون والعكس مرات متعددة لسبب غير معلوم سوي التغيير غالباً ... لكن أصل الأشياء هو ما ذكرته .

الغرفة التالية لغرفة الصالون هي قدس الأقداس ..

غرفة جدي 


أكثر الأماكن بهجة ومتعة علي وجه الأرض

كانت غرفة جدي هي قدس أقداس المنزل

خاضعة كلية له وللأحفاد فقط ..

هم وحدهم لهم الحق في إرتيادها أي وقت يشائون وبأي كيفية يرونها ..

خصوصاً من يحتل رقماً مميزاً

كنت رقم اثنين علي  القائمة .. ثاني أكبر أحفاده ..والصبي الأول ..

ولعمري هي مكانة لا تدرك كم مميزاتها إلا حين تعيشها ...

كان رحمه الله منظماً إلي درجة الهوس .. لا يقبل تغيير موضع إبرة في الغرفة مهما بلغت درجة معزتك لديه . عليك أن تقبل بنظامه وتخضع له ...

قواعد بسيطة إن قبلتها فأنت حر تفعل ما تشاء

بطبيعة الحال أختلفت الغرفة كثيراً جداً في كل شيء .. وأحتلها اثاث آخر بنمط آخر هو أقرب للفوضي وعدم الاتساق ..

فقدت الروح .. وغادر صاحب المكان عرشه ...

رحمة الله عليهما ..

الغرفة احتوت نافذتين .. واحدة تطل علي شارع والأخري علي الشارع الآخر ..

واحدة فيهما زرع جدي أسفلها كل ما يمكنكم أن تتخيلوه من أشجار ونباتات حتي صارت ظلاً ظليلاً وواحة فعلية  كانت شجرة الموز المميزة بأوراقها الضخمة تصل لأرتفاع 6 أمتار حتي الدور  التالي  وكان موز هذه الشجرة صغيراً لا بحجم الموز الذي تعرفونه .. لكن مذاقه العسلي كان يغطي علي كل شئ ..

أضف لهذا الريحان واللبلاب وغيرهما .. كان مجرد فتح هذه النافذة منعشاً للروح بشكل لا يمكن وصفه ..

وكانت إحدي كنوز قدس الأقداس أن تحظي بشرف روي الزرع ... وهو أمر يتكرر مرة أو اثنين في الأسبوع .. وكان في عمري متعة لا توصف ..

نمد خرطوماً  طويلاً جداً من الحمام وحتي غرفة جدي ( ما يقارب من 10 متر  ) ونظل نروي الزرع حتي يكتفي ..

إمعاناً في الراحة النفسية .. مد جدي ( كنبة ) تمتد رأسها من النافذة وحتي منتصف الغرفة ..

وهي مثالية للتمدد أيام الصيف فالشمس لا تمس وجه الراقد هناك مهما كانت شدتها  

بجوارالكنبة منضدة مربعة صغيرة خلفها مقعد جعله جدي وثيراً بكم من الطنافس علي المقعد والظهر وكان يقضي وقته هناك في هوايته الأثيرة : تصليح الساعات ...

أعلي المنضدة لمبة نيون متحركة إماما ًوخلفاً بذراع حديدي علقت به سبحة جدي الضخمة ذات الخرز البني ..

لا توجد مقاعد أخري بالقرب  ..

هذا قدس أقداس ...

لا مجال لازعاج صاحبه ..

المقعد الآخر كان بجوار النافذة الأخري ... وهو للتعاملات اليومية

شراء بطيخ او خضروات او شيئاً ما .. هذه النافذة هي نافذة علي العالم الخارجي من قدس الأقداس  ..

وعلي نسق النافذة الأولي لها مهمة أخري في إسعاد الأحفاد وذلك بجعلهم ( يرشوا الشارع )

وهو شرف نبيل آخر لا تناله إلا لو كنت محظوظاً وبشدة ..

السرير يحتل الجانب الأيسر من الغرفة لجوار المائدة وهو سرير تقليدي جداً من هذه الحقبة ..يعلوه جهاز راديو عتيق صمم لتشغيل محطتين فقط : إذاعة هنا القاهرة .. والقرآن الكريم ..

كنت علي يقين ان مصر لا تمتلك أية إذاعات سوي هاتين الاذاعتين وكنت أكره وبشدة إذاعة الشرق الأوسط التي توقظني بها أمي صباحاً 

وعلي النقيض كنت عاشقاً لطريق السلامة .. وكلمتين وبس .. وحبايبي الكتاكيت ...

جوما قبل ذهابي للمدرسة وعروجي علي جدي صباحاً ...

نعود للغرفة ..

بجوار السرير معلق عشرات (  المنشات )  وهي اداة لطرد الذباب – ان كنتوا لا تعلموا ...


وكعادة جدي التنظيمية .. كانت منشة رقم واحد لقتل الذباب ..

بينما رقم 2 لابعاده فقط ..


وكان لجدي في ( المنشة ) مآرب أخري حيث كان ينفض بها التراب اوبنظف بها اوراق الزرع برقة او يداعب بها الأحفاد

دعك من كونها أستخدمت لقتل آلاف الذبابات قبلأً .. كان هذا ممتعاً فلا تفسدوه بملاحظة مماثلة ... :)
وعلي الحائط المجاور للسرير .. ثلاث صور مرسومة لجدي وجدتي ووالدتي ( الأبنة الكبري ) 
كانت الصور المرسومة بديلاً عن الصور الفوتوجرافية آنذاك ..
وكانت الصور تمثل جدي وجدتي في شبابهما .. 
الفارق الوحيد بين صورتيهما وصورة والدتي .. أن من رسمها كان موقع بالأنجليزية . وهو ما جعلني أفخر  بشكل أو آخر :)
 صورة جدي وجدتي ينطقان بريفية واضحة سواء في الملامح أو الخطوط نفسها  .. وهو ما كان مثار تعليقاتنا جميعاً ..
وفي الواقع كان فناناً فاشلاً .. فقد كانا أجمل كثيراً  :)

وبشكل عام .. كل الفتيات في فترة الستينات والسبعينات كان يشبهن بشكل مدهش سعاد حسني او نجاة الصغيرة :) إنها الموضة غالباً ....

الدولاب يحتل الحائط المواجه للسرير وهو مقسم 3 أقسام ..

الأوسط مقدس لا يقربه أحد سواه ويحوي بدله وملابسه الرسمية .. ومعطف المطر وأي شيء آخر لا يريد إطلاعنا عليه :)

أقصي اليمين  كانت  يهمني منها الفوط :)  
وأقصي اليسار يمكن فتحه امام العامة ...بغض النظر عن ما يحتويه .

الدولاب بأكمله مقسم جزء له وجزء لجدتي في الثلاثة أجزاء ..
أبواب الدولاب نفسها كانت وسيلة من وسائل المكافأة :)
قم بعمل جيد وسيكون من حقك لصق ملصقات عليه :)
إلي اليوم لم تزل باقية هذه الملصقات 

أعلي الدولاب العديد والكثير من الأشياء لكن هناك 3 أشياء مقدسة .. أقصي اليمين صندوق من الخشب القوي يحتوي علي عدة إصلاح الساعات - هواية جدي الأثيرة - 
وبالطبع كان نزول الصندوق في وجودنا يضمن أن نشاهد فقرة ممتعة تتضمن أدوات لم نراها بهذا القرب من قبل ..
كان أجملها العدسة المكبرة كهذه 

لتتخيلوها تشابه تلك التي كان يرتديها ( سوسو ليفي ) في رأفت الهجان  :)))
وفي الجزء الأوسط ساعة نحاسية قديمة تملأ بالزنبلك كل يوم .. ( نعم تماماً كما خمنتوا .. كانت إحدي مكافأت الأطفال المطيعين أن يملأوا الساعة :) ) وتدق في رتابة كل ساعة بعدد دقات يشير إلي الوقت ..
لم تعطب هذه الساعة إلا يوم وفاة جدي ...
ولم تجد أبداً من يصلحها بعد رحيله ......
=====
أقصي اليمين مروحة لا تعمل إلا صيفاً .. ورغم أن كان بها ميقاتي يمكن ضبطه علي الوضع مستمر ..

إلا أن كان جدي علي يقين أن أحد أسباب إطالة عمرها هو ضبطها علي ساعة إلا قليلاً ومن ثم إعادة تشغيلها مرة أخري ..
لم نفهم أبداً السر في هذا التكنيك .. لكن صمود المروحة طيلة سنوات حياتنا كان يؤكد أن (جدو) بالتأكيد يعرف ما يفعله ..
وكالعادة ..  كان إدارة الميقاتي تحت إشراف الجد بالطبع .. نوع آخر من المكافأت ..:)
هكذا كانت حياتنا في هذا المنزل ..
سلسلة لا تنتهي من المكافآت التي ننالها بشرف :)
يجاور الدولاب جزء خشبي أعلاه التلفزيون العتيد ماركة نصر .. وأسفله جزء مغلق يحتوي الجرائد اليومية القديمة ..

بين الدولاب والجزء ده 10 عصي متعددة الطول والأشكال منها معقوف للتعكز واخري مدبب وغيرهم ..

وكالعادة كان لكل عصا رقم ووظيفة .. وحين يهيب بنا ان عصا رقم 1 فهي بالتأكيد للتعكز او للاتيان بالبطيخ من تحت السرير :) وهكذا دواليك ..

بجوار الباب صيدلية خشبية صغيرة بها زجاجتين أبديتين .. 

ميكروكروم مميز بلونه الأحمر وهو لا بأس به في الجروح ..

وزجاجة ملعونة أخري ذات سائل أسود كريه الرائحة كتب عليها ( صبغة يود ) وكان يومنا يكون من أسوأ ما يكون حين نجرح جرح يحتاج للزجاجة الملعونة السوداء

وأخيراً .. ستارة أمامها مقعد يتيم يمكن أي ضيف أن يجلس عليه ( بعيداً عن صاحب قدس الأقداس )  ويجاور باب الغرفة في رسالة واضحة


خلف الستارة الباب الذي يشترك مع غرفة الصالون والمغلق بمكتبة افتراضية ومن اسفل صندوق حديدي مغلق بقفل يضع فيه جدي معاشه الشهري وهو بديل الخزانة ..

الغرفة  يسقط من منتصفها لمبة معلقة بجنزير حديدي ايضاً .. لكن لا يتم اضائتها أبداً .. وكان جدي يستشيط غضباً لو أضائها أحدهم .. وكان يعتمد فقط علي الضوء القوي للمبة التي تعلو مائدته الصغيرة ...

وهو أمر كان يمنح الغرفة جواً رائعاً من الهدوء والسكينة .. فالإضاءة غير مباشرة وفي ذات الوقت كافية وتزيد للرؤية ..

وعموماً لم يكن جدي يستخدم الضوء الصناعي الا في حالة الغياب الشمس تماماً ..

قبل ذلك لديه شباكين لا يغلقا ...

الغرفة المقابلة لغرفة جدي هي غرفة البنات .. امي وخالاتي .. 


بها سرير ضخم .. وكنبة متوسطة الحجم ... وشباك لا يتضح من مشهده انه يفتح اصلاً .. وبلكونة تطل علي ممر داخلي صغير لخلفية المنزل

ودولاب متوسط الحجم ودولاب آخر معدني ماركة ايديال  .. ويبدو أن شركة ايديال كانت محتكرة السوق المصري في الستينات :)

وكالعادة باب آخر ملحق بالغرفة غير باب مدخلها ويفضي الي الطرقة التي بها المطبخ والحمامين .. وكما شرحت آنفاً هذا سببه تسهيل دخول وخروج الفتيات للمطبخ والحمام دون أن يلمحهن أحد .

لكم عشقت كل هذه التفاصيل ...كم هو جميل أن يعمل من صمم المنزل علي مراعاة كل تفصيلة صغيرة وكأنه صاحبه ..

لربما لهذا كان الزمن وقتها أجمل ..

أعود إلي المنزل ..  إلي اليمين حمام ضخم هو للاستحمام والغسيل وغسيل السجاد وكل ما يحتاج لمساحة واسعة .. كان يصلح أيضاً لمبيت الخروف إبان عيد الأضحي ..

ثم المطبخ العزيز .. مملكة جدتي الأثيرة

وكأني بي أسمع لصوتها الدافئ المغرق في الحنان يسألني ويخيرني إذا ما كنت أفضل هذا الطعام أو ذاك ؟؟ لم تتقيد مطلقاً  بما تصنعه .. بل بما أريد ..

لم يكن يزعجها أن تصنع عشر أصناف من الطعام في ذات اليوم .. المهم أن يروقني أحدها في النهاية ...

كانت صانعة  ماهرة للفطير .. وكانت وجبتي المفضلة التي لم أملها أبداً ..

وصانعة رائعة للمخلل .. المطبخ العزيز بكل ما يحتويه من برطمانات زجاجية عملاقة بها من الليمون والزيتون واللفت بلونه الأحمرالمميز ..

عصير الطماطم الذي كنت أنهل منه كوب تلو الآخر .. والذي لم تمسه شفتاي بعد رحيلها ...

جدتي الحبيبة .. تعجز الكلمات عن وصف قدر حبي لك .. رحمك الله وجدي وجزاكما عني خير الجزاء ..

تبقي لنا الجزء المقابل للمطبخ وهو ركنة صغيرة تنتهي بباب مفضي أيضا للصالة إلي جوار الثلاجة مباشرة .. وهو كما اعتدتم .. مهمته الخروج بأصناف الطعام دون جرح الجزء الخاص بالحمام ..في حالة الولائم ..


وهو لم يستخدم كثيراً .. فصار عبارة عن صندرة أرضية صغيرة أضع بها دراجتي   ..

أما عن الصندرة .. ذلك الجزء الرائع في المنزل .. الذي يحوي ما لاعين رأت ولا أذن سمعت مع كمية ضخمة من الغبار والعناكب .. 

طريقة الصعود اليها كانت سلم خشبي عملاق يمتد لمسافة مترين طولاً ومسند لجوار الحمام الكبير ..

وكان من الثقل بما يكفي لمنعي من ارتكاب حماقة بتحريكه محاولاً الصعود وحدي ...

كان جزء الصندرة هو أجمل مكافأت منزل جدي ..

وعلي حد علمي لم يحظ أحد بشرف الصعود هناك من الأحفاد سواي ..

كل هذا وأكثر مر بذاكرتي بالأمس ..

وأنا أري رقية تهرع لتلامس السلم الخشبي الضخم ...

وأري فدوي مبهورة بكم الأبواب في المنزل ...

وكلتاهما مشدوهتان بإرتفاع السقف الذي يمنحك رحابة صدر وتفاؤلاً وحرية وإنطلاقاً ..

وتساءلت بيني وبين نفسي ..

تري لو كان جدي وجدتي لا يزالا علي قيد الحياة وكان هذا المنزل في أوج بهجته وسحرهما ..

هل كانتا لتحباه أكثر ؟؟

وتعشقاه أكثر ؟؟

كل تفصيلة  وكل متعة  في هذا المنزل لم تزل حاضرة .. نابضة بقوة ...

اللهم ارحم جدي وجدتي وأجعلهما في زمرة الصديقين والنبيين والشهداء وخير أولئك رفيقاً ..














6 تعليقات:

Anonymous said...

الله يرحم جدك و جدتك يارب , و يسعدك سعادة ايام الطفولة :) ياريتك تنشر الحاجات دى , ف كتاب يضم قصص قصيرة , جميلة جدا

عزه عارف

Anonymous said...

رابسوديه جدى
بقلم معتز محمود
ابن خالتى كبره العيله و الدماغ المتكلفه
تسلم ايدك يا بن خالتى و ربنا يرحمهم و يسكنهم فسيح جناته

Moataz Mahmoud said...

شكراً يا عزة جداً ..
والله بفكر جدياً في ده :)

Moataz Mahmoud said...

مي العزيزة :)
اكتر واحدة قعدت في البيت ده وعارفة انا بتكلم في ايه :)
الله يرحمهم ويجازيهم عنا جميعاً خير الجزاء

نيران said...

منذ زمن يا صديقي لم ارك بهذا الشغف

مذهل

اخذتني لزمن اخر
و منزل لم اعشه ولكن عشقته لروعة شعورك وكلماتك

أحببت جدك وجدتك رحمهما الله

قرأت الكلمات مرارا وتكرارا وفي كل مرة ترتسم على شفتاي نفس الابتسامة العميقة


احسنت احسنت احسنت

ملحوظة: اقترح تعديل الصور في البوست الى الابيض والاسود او الى تلك التعديلات التي تجعلها كما المرسومة بقلم رصاص.. لا اعلم لكن اشعر انها ستكون هكذا اكثر متعة

احسنت معتز صدقاً :)

Salmayat said...

الله :)
انا عايزة ازور البيت دة
ابدعت في وصفه
الكلام طالع م القلب ويدخل القلب

في انتظار المزيد بشغف شديد

Post a Comment