معركة الضمانات

on Saturday, January 14, 2012



نقلأً عن الصديق د. أحمد سيف
خالص تقديري له لسماحه بنقلها هنا ...

يمكن بقليل من التبسيط وصف المعركة التي تدور رحاها في مصر منذ عشرة شهور بأنها "معركة الضمانات".
الجميع يعلم أن المجلس العسكري سيترك السلطة إن عاجلا أم آجلا...
ولكن الجميع أيضا يعرف أنه لا يرغب في تركها مجانا... وإنما يطلب لنفسه "ضمانات" في مقابل ذلك. ضمانات تتراوح بين حدها الأدني المتمثل في الخروج الآمن للمجلس العسكري على طريقة عفى الله عما سلف...
وبين حدها الأقصى المتمثل في احتفاظ العسكر بكافة امتيازاتهم ومكتسباتهم الموروثة من عهد شرعية يوليو 52... مكتسبات سياسية من نوعية كوتا المحافظين والمناصب العليا واقتصار محاسبتهم على القضاء العسكري التابع لهم وبقاءهم في موقع الأوصياء على النظام السياسي برمّته... ومكتسبات اقتصادية من نوعية احتفاظهم بالسيطرة على قرابة ثلث الاقتصاد المصري وبقاء موازنة الجيش خارج أطر الرقابة الشعبية.
العسكر يديرون معركتهم كما تدار معارك الانسحاب المنظم..
الهدف هو تقليل الخسائر الى أقل حد ممكن وإنهاك الخصم من أجل إجباره على التوقف عن ملاحقتهم.
في البداية صنفوا خصومهم وحددوا العدو الذي سيخوضون معركتهم الأساسية معه والآخرون الذي يستطيعون إلهائهم وتحييدهم من أجل التفرغ لهم في مرحلة لاحقه.
الكتلة الثورية الشابة عموما والليبرالية واليسارية خصوصا هي العدو الرئيسي... هؤلاء لن يمنحوهم الضمانات التي يطلبونها لأن هدف ثورتهم الأساسي هو هدم أركان دولة العسكر والمباحث والمخابرات... فضلا عن أنهم كتلة مبعثرة دون قيادة تستطيع ضبط ايقاع الفعل الثوري ويستطيعون الدخول معها في موائمات وصفقات ملزمة.
شخص كالبرادعي رفض الالتحاق بالنظام عندما كان في عزّ قوته رغم احتفاء الإعلام الرسمي به في البداية غالبا لن يقبل لعب دور المحلّل لإنقاذ زواج على وشك الانهيار بين العسكر والسلطة.
الإخوان – رغم عداءهم القديم مع العسكر – لديهم "بطحه" اسمها الشرعية الرسمية... هؤلاء ظلوا أكثر من خمسة عقود يوصمون بالـ"محظورة" ويسعون لاكتساب شرعية تمكنهم من العمل السياسي في النور دون التخفي وراء الاقنعة والدخول في تحالفات مع خصوم... حاول النظام العسكري في بداية الثورة ملاعبتهم بجزرة الشرعية عبر كاهنه الأكبر "عمر سليمان"... فشل ولكن ظلت الجزرة في جيبه يخرجها وقت اللزوم.
 هناك حقيقة يعرفها اي دارس لعلم النفس... لو وعدت طفلا بقطعة حلوى إن أدى عملا معينا... ومنحت طفلا آخر قطعة حلوى وهددته باسترجاعها منه إن لم يؤدي نفس العمل فإن الطفل الثاني سيعمل بجدّ أكبر من الأول...
الإخوان حصلوا على حلوى الشرعية بل وجزء من كعكة السلطة ولذا هم مستعدون لتقديم أكبر قدر من التنازلات في معركة الضمانات من أجل الحفاظ على ما حققوه.

العسكر أصروا على الاحتفاظ بمؤسسات نظام مبارك الفاسدة دون تطهير حقيقي حتى يتمكنوا من استخدامها في معركة الضمانات...
جهاز الأمن المتواطي يثير الانفلات الأمني بتراخيه المتعمد وجيوش بلطجيته...
الإعلام بتشكيلاته المختلفة... رسمي وحزبوطني وإسلامنجي... الجميع يعمل لبث الذعر وتشويه الثورة وتلميع صورة المجلس العسكري...
النيابة وقطاعات من القضاء ما زالت تعمل وفق التوجيهات التي تصلها لتحريك القضايا أو دفنها تحقيقا لمكاسب سياسية.
بدا جليّا أن المعركة لن تحسم بالضربة القاضية كما أراد الثوار وإنما بالنقاط... العسكر يريدون إطالة أمد المعركة ليكسبوا مزيدا من النقاط والثوار يريدون تقصير أمدها وإعلان النظام العسكري الأمني استسلامه والقبول بما تمليه عليه الثورة... ومن هنا تأتي المواجهة.
يعلم العسكر أن السياسة امتداد للحرب بوسائل أخرى... وأن نتائج المفاوضات لا تخلق من فراغ بل تحددها موازين القوى على الأرض بعد انتهاء المعارك... بعد أن حقق الثوار العبور العظيم الأول... يأمل العسكر في خلق "ثغرة دفرسوار" وتنفيذ عبور مضاد... يعلمون جيدا أنه لن يحقق لهم الانتصار النهائي ولكنه سيساعدهم كثيرا عندما يحين وقت التفاوض مع البرلمان لتحديد وضعهم في الدولة الجديدة... لنصل الى وضعية شبيهة بسيناء بعد انتصار 73... أرض محررة ولكنها مقيّدة بالشروط والضمانات.
انهم يريدون خنق وتشويه الفعل الثوري السلمي على الأرض لانتزاع السلاح الأهم من جعبة القوى الثورية... هم رأوا بأعينهم كيف تكون نتيجة التفاوض بينما مئات الآلاف يعتصمون في الميادين... لا شيء أسوأ من أن تتفاوض بينما عدوك يدكّ معاقلك بسلاحه الأقوى.
كيف ستنتهي المعركة؟ لا أحد يعلم... كل الاحتمالات مفتوحة... كل شيء رهن بالمكاسب التي سيحققها الطرفين على الأرض في الفترة المتبقية... إن نجح العسكر في إنهاء الفعل الثوري والتفاوض من موقع قوة حققوا ما يريدون وضمنوا استمرار هيمنتهم على مفاصل الدولة... وإن نجح الثوار في التماسك والصمود في مواجهة الحملة الشرسة التي تشن عليهم لكسر إرادتهم ربحوا المعركة وسيضطر النظام الأمني العسكري حينها الى التسليم بهزيمته وحتمية زواله.
لننتظر ما تحمله الأيام...

0 تعليقات:

Post a Comment